رواية عشرون رسالة قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الثاني
_الفصل الثاني_
جلس علـي حافة فراشهِ بعد أن أنهي صلاتهُ ، ثم إلتقط عويناته و جُرناله من علي صوانة السرير و بدأ يتصفح الجُرنـال بإستمتاع ، أصيلّ هو .. يُحب الإحتفاظ برائحة المـاضي متمثلًا في كـل شئ ، هاتفهُ. ، ملابسهُ ، كتبهُ ، طعامهُ ، حتي جُرناله.
كثيرًا ما ألحّت عليهِ إبنتهُ أن يبتاع هاتفًا حديثًا حتي يتمكن من مواكبة التطورات العصريه و لكنهُ كان يرفض معللًا : من فات قديمه تاه!
أمسك جُرنالهُ و بدأ يتصفح صفحـة الوظائف كعادته كل يوم لِتقع عيناه علي ذلك الخبر الذي جعل عيناه تبرق ببريق الفرح وراح يتمتم : يا فرج الله.
” مطلوب مهندسين تصميم معماري حديثي التخرج للعمل بشركة المسلماني جروب للمقاولات شرط أن يجيد أعمال المكتب الفنـي ”
إبتهج قلبهُ و أسرع نحو غرفتها يزُف إليها البشري ، طرق بابها بفرحه بدأت تتلاشي رويدًا رويدًا عندما لم تفتح الباب..
_ آصــال!.. إنتي نايمه يا بنتي؟!
إنتظر لثوانٍ قليلة لم يأتهِ الرد خلالها فأدار مقبض الباب بحذر ليُفاجأ بها مسچيه أرضًا..
هرع نحوها بخوفٍ ينهش قلبه و يأكل داخلهُ ثم حملها و وضعها بفراشها و أسرع يجلب كوبًا من الماء و بدأ ينثر منهُ علي وجهها..
_آصــال.. مالك يا حبيبة أبوكـي؟!
أفاقت كميتٍ قد عادت إليه روحهِ للتو ، شاحبة الوجه ، باردة الأطراف ، و حين رأته يقبع أمامها وَچِلَت و عادت يداها ترچف من جديد..
=تليفوني فين؟!
تسائلت بأعين مذعورة وهي تبحث عنهُ بعينيها يمينًا و يسارًا ليقول والدها : مش عارف ، هو مش معاكي؟
إطمئنت عندما عَلِمت أن والدها لم يري ما يحتويه هاتفها و عند تلك الذكري عادت إليها نوبة بكاؤها من جديد..
_مالك يا بنتي، بسم الله الرحمن الرحيم..
قالها والدها وهو يقترب منها ، يضع يُمناه فوق رأسها و يغمغم بصوتهِ العذب بآياتٍ من القرآن الكريم فأجهشت بالبكـاء و ألقت بنفسها داخل أحضانهِ تبكي و تنوح علي ما آلت إليهِ أحوالِها..
إنقبض قلبه ؛ فتلك هي أول مرة يري فيها صغيرتهُ بتلك الحـال!
لقد عَهِدها قوية، متمرده ، عنيـده!
ما بالِ قلبُها قد أصبح هشًا هزيلًا و دمعاتها باتت تجري على خدّيها بهوان!
سألها والخوف يعيثُ فسادًا في قلبهُ : مالك يا بابا؟! حد مضايقك؟
أومأت برأسها أن لا وقالت: مفيش حاجه يا بابا، مخنوقه شويه وهبقا كويسه دلوقتي.
مسح على وجهها بيديه وقال: لا أكيد في حاجه موتراكي و قلقاكي، قولي لبابا ومتخافيش، كل حاجه ليها حل إن شاء الله.
أغمضت عيناها بتعب وقالت: يا بابا لو سمحت…
قاطعها قائلًا: طيب خلاص خلاص.. من غير عياط أنا هسكت.. بس تأكدي إن كل حاجه في حياتك مش هتعرفي تحليها إلا لو كنتي هاديه.. التوتر بيزود المشاكل ويخليكي تتصرفي غلط.
أومأت وكإنما تسمعهُ لينهض واقفًا ثم قال: لما تروقي كده تعالي نتكلم… لسه شايف إعلان توظيف دلوقتي…
قاطعتهُ قائلة: بعد إذنك يا بابا أنا مش قادره أتكلم دلوقتي ، بعدين.
أومأ برأسهِ بهدوء ثم خرج من غرفتها و أغلق الباب خلفه لتسرع هي تبحث عن هاتفها بلهفه حتي وجدتهُ إلي جانب السرير..
فتحتهُ لتجد العديد من الرسائل التي بعث بها ذاك اللعين إليها ، همّت بالرد قبل أن تنتفض فزعًا عندما إهتز هاتفها بين يديها مسفرًا عن مكالمة وارده منهُ..
أجابت دون تفكير ، صوت تنهيداتها الخائفة كان كفيلًا بأن يخبره عن مدي خوفها و إضطرابها..
_ألو!!
ضحك بفظاظه قاصدًا إثارة ريبتها و إتلاف أعصابها..
_ألو؟!.. إنت عايز مني إيه؟
جاءها صوتهُ الهادئ المُريب قائلًا : قولتلك أنا عايز إيه..
_بس.. بس أنا مفيش معايا المبلغ ده ولا معايا ربعه حتي.. لو مش مصدقني إسأل وإنت تعرف إن والدي موظف حكومي حاله علي قده، يعني إستحاله أقدر أوفر المبلغ ده ولا في سنه حتي!!
=امممم.. طيب بلاش الدفع، عندك الحل التاني!
إرتعش بدنُها و أجفل قلبها فقالت: إستحالة، إستحالة أعمل كده!! ده حرام!!!
صمت قليلًا ثم قال: طيب، تابعي معانا بكرة الساعه ١٠ ، مبروك عليكي التريند.
سالت دمعاتها بقهرٍ وقالت: لو سمحت.. وحياة ولادك ، وحياة أغلي حد عندك متعملش فيا كده، انا والدي مريض قلب ولو شاف حاجه زي دي هيموت فيها..
تحوّل هدوئه لإعصارٍ عاتٍ وقال بإنفعال: بقوللك إيه يا بت إنتي، بلاش جو الصعبنيات ده!! معنديش غير حل من الاتنين، يا تجيبي الفلوس يا إما تجيلي ونقضيهااا بالنص مليون جنيه اللي عليكي..
أغمضت عيناها تعتصر دمعاتها بألمٍ يكاد يُزهق روحها ، لقد وقعت بين مخالب الشياطين و لا شئٍ عليها سوي السمع والطاعة.
_طيب اديني مهله أفكر!
أطلق ضحكة ساخطه ثم أردف : مهله ؟! طيب.. فكري وبلغيني بقرارك قبل الساعه ٩.
أنهي المكالـمة دون إنذار و تركها تبكي كمن أتاها نبأ وفاة غواليها.
تفكر مليًّا ، أنّي لها أن تخرج من تلك الضائقة ؟!
هل تخبر والدها؟! و بماذا ستخبرهُ ؟! بأنها قد خالفت أوامره و ذهبت إلي ذاك الطريق الذي نهاها عنهُ ؟!
أتخبرهُ بأنها قد عصتهُ و ما إن تبينت أنه كان محقًا حتي عادت تستغيث به !
أتخذله و تحطم فؤاده و تتركه مهزومًا مقهورًا ؟!
لاا.. إنها الوحيـده المسئولة عن ذلك و وحدها ستصلح ما أفسدتهُ.
…
الساعـه الآن تشير إلى الخامسـة!
نهضت و بدّلت ثيابها ثم خرجت من غرفتها لتجد والدها جالسًا بشرفته ، ذهبت إليه ليقف قائمًا..
_رايحه فين يا آصال؟
=نازله أتمشي شوية يا بابا، هروح علي البحر شوية أشم هوا.
_مع صُحـابك ؟؟
=لأ.. لوحدي.
_ماشي يا حبيبتي خلي بالك من نفسك و إرجعي بدري، أنا كمان هنزل أقعد مع عمك متولي علي القهوة شويه.
أومأت برأسها بإقتضاب وغادرت المنزل.
إستقلّت إحدي سيارات الأجرة لتقلها إلي ذلك المتجر الخـاص بوالدة صديقتها ، ستطلب منها أن تجد لها عملًا لديها أو لدي أحدً من معارفها .
تعرفها متكبره ، مغرورة و لكن وحدها من ستقضي حاجتها..
توقفت السيارة ، ترجلت منها وهي تتطلع نحو واجهة المتجر الفخم بقلق ، أغلقت الباب ليصلها صراخ السائق متذمرًا يقول : الأجره يا أستاااااذه..
نظرت إليهِ بتفحص ، لم يكُن هو ، لكنه نفس المشهد ، يُعاد بكل كواليسه مع إختلاف التفاصيل..
إقشعرّ بدنها ، فرقٌ مهيب بين شعورِها هذا اليوم و ذاك.
دلفت إلي المتجر و ما إن رأتها السيدة ” توليب ” مالكة المتجر حتي إبتسمت بتكليف وقالت : تعالي يا صولا.
تقدمت نحوها ببطء ، صافحتها وقالت : ازي حضرتك يا طنط ؟
_أهلًا يا روحي، عايزة زينه؟! هي مجتش النهارده.
=لأ الحقيقه انا جايه لحضرتك مش جايه عشان زينـه!
_ أنا؟! خير يا حبيبتي ؟
رن هاتفها فقالت: سوري يا صولا ، إستني أشوف مين…
أجابت الإتصال لتظل قُرابة الساعة تتحدث في الهاتف إلي صديقتها.
وقفت ” آصال” منفعله و غادرت المتجر دون إذن ، سارت بالطرقات تبكي ذُلّها و هوانها .
عادت إلي المنزل وقد أعياها البكاء و أخذ منها التعب كل مأخذٍ ، رآاها والدها و صديقه حيث كانوا يجلسون بالمقهي فنهض والدها واقفًا وهو ينظر إلي صديقه قائلًا بعجاله : ماشي يا متولي هشوف رأيها كده و أبقا أرد عليك.
صعد مسرعًا إلي شقته و دلف يبحث عنها فلم يجدها !
لقد إنزوت داخل غرفتها مجددًا !!
إنه يعرف إبنته جيدًا ، تخشي المواجهه ، تخب الهروب ، نادرًا ما تستطيع البَوح و أبدًا لا تحب الضغط..
لذا قرر أن يتركها وشأنها ، لا بد أنها ستأتي و تخبره عمّا يشغل بالها و لكن عندما تريد ذلك.
لقد كانت تشعر بالقهر ، كإنما خذلها العالم بأسرِه ، حتي دمعاتها باتت تأبي السقوط.
أخرجت دفترها الخاص ، فتحته و أمسكت بقلمها ، بدأت تخط حروف أولي رسائلها فكتبت..
” إلي أمي النائمة طويلًا في قبرها بسلام….. أخطأتِ .
لم يُصبِح جمالي سر سعادتي ، و لم تُصبح إبتسامتي مفتاح نجاحي ، لم يكونوا سوي لعنة ؛ أصابتني بالغرور وجعلتني أُغمض عيناي عن الحقائق .
من ذا الذي يكفكف دمعاتي الآن و يخبرني أن كل شئ سيصبح علي ما يرام؟
بات الدمع لا يفارق عيناي ، و الحزن بقي حينما لم يبقي أحد ، و كلما إشتد ألمي.. إفتقدتك و أنّ قلبي توْقًـا لضمةٍ منكٍ.
أحتاجِك و بشدة!.”
أغلقت الدفتر و وضعته بين أغراضها مجددًا و صعدت إلي فراشها و تكورت علي ذاتها ، تنتظر إتصال الشيطان المجهول.
في تمام التاسعة رن هاتفها ، أجابت بتثاقل فقالت : أنا موافقة!
_عين العقل ، ميعادنـ…….
قاطعته قائلة : مش هينفع أخرج اليومين دول ، بابا مش بيسيبني أنزل لوحدي أبدًاا..
_خلاص أجيلك أنا..
إرتفع صوتها بإنفعال تقول : تجيلي إنت إيه؟! لا مش هينفع طبعا.. أصللللل.. أصل بابا بيقفل عليا وهو خارج وبعدين البيت كله سكان وممكن حد يشوفك..
_اممم.. طب والعمل؟!!
=اصبر كمان أسبوع بابا هيسافر القاهره، وقتها أقدر أتصرف وأخرج..
_بس اسبوع كتير يا قمر وبصراحه كده أنا مستعجل..
لعنت تحت أنفاسها مغمضًة عيناها بإشمئزاز ثم قالت : كده كده المهله اللي إنت مديهاني أسبوع ، مفرقتش يعني.
بدا عليه الإقتناع قليلًا فقال: اممم.. معاكي حق مفرقتش، ماشي أصبر أسبوع بس ورحمة شرفي لو طلعتي بتلعبي عليا ما هرحمك..
برز صوتها مرتجفًا وقالت: لا لا مش بلعب عليك صدقني.
=ماااشي.
أنهي المكالمه فألقت بالهاتف إلي الفراش بإهمال و عيناها لا زالتا تسكبان من فيض الدمع أنهارًا.
…..
خرجت من غرفتها و منها إلي غرفة والدها ، أطلت برأسها لتجده قائمًا يصلًي ، إنتظرت حتي فرغ من صلاته وقال : تعالي يا حبيبتي.
تقدمت منه بهدوء فقال : متشيكه كده ورايحه علي فين؟
_ الإعلان اللي حضرتك شوفته لشركة إيه؟!
نهض ليعتدل وهو يقول: والله يا بنتي منا فاكر، إستني الجورنال كان هنا..
إلتقط الجورنال من علي الطاوله وفتح صفحة الوظائف ثم قال: شركة المسلماني جروب.. أخيرًا قررتي تجربي..
أومأت برأسها أن نعم ثم قالت: هروح أقدم الـ C.V بتاعي وأنا وحظي..
_خير إن شاء الله ، ربنا معاكي.
خرجت الكلمه من أعماق قلبها فقالت: ياارب.. عن إذنك.
ذهبت إلي مقر الشركـه ، تعلمهُ جيدًا ، و من ذا الذي يجهله و الكل يتمني أن يعمل بالقرب منه حتي .
كل شئ منمق ، كل شئ في مكانه الصحيح ، الجميع هنا في أبهي طلاتهم ، الموظفات يرتدين حلّاتهن الرسميه و الموظفين يرتدون حلّاتهم الأنيقه المرتبه..
حتي الحرس الخاص بأمن الشركة يقفون شامخون في زيّهم الرسمي.
إستوقفها أحد الحرّاس : أفندم؟!
_جايه عشان إعلان الوظايف..
=بطاقتك!
_إتفضل.
أعطته بطاقتها الشخصيه ليدوّن إسمها في سجلٍ أمامه ثم قال: إتفضلي..
دلفت إلي الداخل ، لقد حاز المكان علي إعجابها الشديد حتي أنها كادت تتعثر من فرط إنبهارها بالتصميم الداخلي للمبني.
تقدمت إلي موظفة الإستقبال ثم جلست أمامها فقالت: جايه عشان إعلان الوظايف ؟
_أيوة.
=هاتي بطاقتك.
أعطتها بطاقتها فقامت كذلك بتدوين إسمها في سجلٍ أمامها ثم أعطتها البطاقه وقالت بإبتسامه روتينيه : إتفضلي في مكتب مستر معتز فوق ، بالتوفيق.
…
صعدت حيث أمرتها لتفاجأ بعددٍ مهول من المهندسين حديثي التخرج الذين أتوا لتقديم سيرتهم الذاتيه.
الجميع يتكالبون و كلما مر الوقت إشتد الزحام ، جلست بهدوء تنتظر متي يتسني لها الدخول لتجد الباب وقد إنفرچ و ظهر المدعو ” معتز” من خلفه وهو يقول بإنفعال : كل واحد أو واحده منكم يسيب السي ڤي بتاعه مع رقيه السكرتيره واتفضلوا .. احنا هنبلغكوا بقرار مستر ريـاض في ظرف يومين.
كانت تنظر إليه بشرود وهي تتذكر ما حدث ذلك اليوم لتجده ينظر إليها بتركيز ويقول : إنتي يا آنسه ..
نظرت إليه بإنتباه فقال: تعالـي.
وقفت بفرحه لتستمع إلي إحداهن تقول: إشمعنا دي يعني..
نظر إليها “معتز” بحده ثم نظر إلي “رقية” وقال :.رقيـــه.. دي بالذات متاخديش السي ڤي بتاعها
أشار إلي ” آصال” بيديه بحركةٍ مسرحيه أن تتقدم ففعلت ، ثم دخل وأغلق الباب وهو ينظر إلي الأخري بعبث قاصدًا إزعاجها.
جلست آصال مقابل مكتبه وجلس هو وراءه ثم نظر إليها مبتسمًا وقال : أهلًا بيكي..
_أهلًا بحضرتك..
نطقتها بهدوء فبسط راحة كفه أمامها قائلًا : ممكن السي ڤي؟
وضعت الملف الخاص بسيرتها الذاتيه أمامه علي المكتب فألقي عليه نظرة سريعه شامله ثم قال مبتسمًا : مبروك ..تقدري تشتغلي من بكره بإذن الله.
إتسعت أبتسامتها فقالت : معقول؟! بسرعه كده؟!!
ضحك قائلًا: بقينا في عصر السرعه بقاا ، السي ڤي بتاعك تمام وكل حاجه كويسه بسم الله ماشاء الله ، من بكره إن شاء الله هتكوني تحت تدريبي و إشرافي..
و تابع فقال: أنا بشمهندس معتز كراويه وقبل ما تستظرفي وتقوليلي كراوية ولا نعناع هقوللك كلمة كمان وهتطردي بره الشركه
ضحكت كثيرًا ثم تسائلت بإستفهام: طيب و المدير التنفيذي ؟
_ تقصدي مستر رياض، لا مستر رياض ده تحصيل حاصل ، أنا هنا الكل في الكل..
رنّ هاتف مكتبه فأجاب قائلًا: أيوة..
_تعالي علي مكتبي فوراً يا معتز..
=حمامه..
إنفلتت ضحكتها فضحك بدوره ثم قال : معلش بقا وليّ نعمتي وكده.. اتفضلي انتي و بكره ان شاءالله تكوني موجوده الساعه ٨ هنا في مكتبي.
أطلقت لساقيها الريح و خرجت من الشركه سريعًا قاصدة طريقها نحو المنزل ، تتمني أن تبتلع المسافات كي تخبر والدها بتلك البشري.
…..
في مكتب ” رياض المسلماني ” °°°
يجلس متأنقًا في حلّته السوداء ، قابعًا خلف مكتب فخم يليق به و أمامهُ غليونه الخاص يقوم بتدخينه..
نفث الدخان صانعًا سحابة بيضاء أمامه ليقول” معتز” والذي يجلس أمامه : علي مهلك يا عم المدخنه عميتني.
_ ايه الأخبار؟! قبلت حد؟!
= قبلت تلاته آه ، السي ڤي بتاعهم كان أحسن حاجه من ضمن الموجودين..
_اممم.. طيب عايزك تكون حازم شويه مع الموظفين ، شغل الهئ و المئ بتاعك ده مينفعش..
=يا عم متقلقش ده أنا ممشيهم علي عجين.. صح قبل ما أنسي، ” زهره” كلمتني تسأل عليك.
إنتابهُ الضيق وقال: و كلمتك إنت ليه ما أنا قولتلها مية مرة تكلمني أنا لو محتاجه حاجه..
= طيب شوف تليفونك كده..
إستل هاتفه من درج مكتبه ليقول متذكرًا : أيوة صح أنا عملته سايلنت ساعة الاجتماع ونسيت، رنت أهي مرتين.
نظر إليه معتز بحنق ثم قال: أنا مش عارف أخرة اللي إنت فيه ده إيه؟! هتفضل لحد إمتا باعدها عنك بالشكل ده..
تأفف رياض قائلًا: معتز .. قصّر.
_ماشي يا رياض هقصّر.. إنت حر، هرجع أنا بقا علي مكتبي أشوف شغلي.
عاد معتز إلي مكتبه ، فتح درج مكتبه و أخرج الملفات الخاصه بالسِيَر الذاتيه بالموظفين الجدد ، إلتقط ملفّها من بين بقية الملفات و بدأ يتفحصه بدقه ثم توقف عند صورتها..
وجهها ملائكي لدرجة تجعلك تخشي النظر إليها ، ملامحها ناعمه تجذبك نحوها بسلاسة ، خاصًة عيناها..
عينان إمتزج فيهما الحزن بجمالٍ عنيد ، إختلط فيهما لون الشمس و لون العسل ، كما إنسجم فيهما الدمع و أصبح بريقًا.
لم يدري لِما أخرج هاتفه وقام بتصوير صورتها من الملف الخاص بها ثم أعاد الملف إلي حيث كان و هاتفه إلي جيبهِ من جديد.
….
عادت إلي منزلها و كلها حماس ، دلفت إلي الشرفه حيث يجلس والدها ، ترك كوب الشاي خاصته من بين يديه وقال: تعالي يا وش السعد..
جلست وقالت: أنا قبلت في الوظيفة يا بابا و من بكره هنزل الشركه تدريب وبعدها مستر معتز هيعيني .
_بسم الله ماشاء الله ، الف مبروك يا حبيبتي ،مستر معتز ده المدير؟
= أيوة والمدير التاني يبقاااا… ااه يبقا مستر ريـاض.
_ و مستر رياض رأيه فيكي إيه؟!
=مشوفتوش ، مستر معتز قال إني هكون تحت تدريبه وإشرافه هو.
أومأ برأسهِ بتوكيد ثم قال: ان شاءالله تقدري تثبتي نفسك و ترفعي راس ابوكي يا حبيبة أبوكي إنتي.
إضطرب داخلها و إنقبض قلبها فقالت: هو أنا لو في يوم من الايام خذلتك يا بابا ، مش هتسامحني؟
إرتشف آخر رشفةٍ من كوب الشاي ثم قال ببساطه: هسامحك أكيد ، هو في أب ميسامحش ولاده..
هدأ بالها قليلًا قبل أن يستأنف حديثه قائلًا: بس أنا عارف إنك عمرك ما هتخذليني، و متأكد من كده كمان.
تسلل الخوف إلي قلبها من جديد فسألتهُ : ليه متأكد؟
نظرإليها مبتسمًا وقال: لإن كل واحد عارف زرعته كبرت علي إيه و إتسقت إزاي؟! أنا كمان عارف إنتي إيه وكبرتي إزاي ، عارف إني زرعت فيكي حاجات كتير حلوة و عمر الأصيل ما يتغير.
ثم قال ممازحًا: أومال أنا سميتك آصــال ليه؟! عشان تفضلي أصيله متأصله لا يغيرك زمن ولا تغريكي فتن من اللي بنسمع عنها كل يوم والتاني.. تفضلي كده زي ما ربيتك و كبرتك لحد آخر نفس.
أومأت برأسها وقد حبست دمعاتها بكل ما أوتيت من قوة ثم قالت: وأنا إن شاء الله عمري ما هخذلك، هكون عند حسن ظن حضرتك فيا دايما.
…
مضت ليلتها تحضر نفسها للذهوب إلي الشركه في الصباح..
إرتدت زيّا رسمي يلائم مكان عملها و أسرعت نحو الشركـة ، بمجرد ما إن وصلت إلي الشركه حتى دلفت إلي مكتب مستر معتز.
رآها تقف أمامه في حلتها السوداء الأنيقه ، آسرت ناظريه و جعلته شغوفًا بها فقال: تعالي يا آصال..
تقدمت منه فقال: أول حاجه مبروك عليكي الشغل معانا في الشركه ، تاني حاجه بقا هي شوية نقط هوضحهالك. أولها و أهمها هي إنك تلتزمي بالمواعيد ، و متنسيش المواعيد وحطي تحتها مليون خط..
و إستطرد.يقول لا انا ولا مستر رياض بنقبل بالغلطات اللي زي دي.. مفهوم؟
أومأت بموافقه فقال:, إتفضلي يلا علي مكتبك و هاتيلي نسخه بالملفات اللي هبعتهالك علي الوورد دلوقتي.
خرجت من مكتبه لتذهب في طريقها إلى مكتبها فأتاها إتصال من رقم مجهول، أجابت ليصلها صوته كريهًا فقال: حمدالله على السلامه مبترديش علي تليفونك ليه ؟
_مسمعتوش..
=طيب وصلتي لفين ؟! أبوكي هيسافر إمتا؟
_مش مسافر ومش هعمل حاجه ولا هديك حاجه وأعلي ما ف خيلك اركبه..
=كده؟!! تمام أوي، إقبلي بقاا أول هديه….